إلى أين تمضي بنا يا سيادة المستشار؟!
د. منى علي الساحلي
تحرّرنا! أجل تحرّرنا ومنّ الله علينا، وعلى بلادنا الحبيبة بالخلاص من الطاغية؛ لنطوي صفحة محزنة ومخزية من الألم والقهر والاستبداد وسلطة الفرد المطلق بكلّ ما تحمل من جور وسفه ونزق وعشوائية؛ لنستهلّ صفحة جديدة من الحرّيّة والعدالة والأمن والاستقرار والنّظام واحترام الآخر. لكنّنا نفاجأ بخطاب التحرير يأتي كأنه وليد لحظته، وإن كان سرّنا منه أريحيّة افتتاحه بشكر الله سجوداً، أو السجود لله شكراً، ومادلّ عليه من ورع وتقوى وتواضع لله نبلاّ وحسن خلق، طالما افتقدناه في مسؤولينا، فما بالك بمن هو في مرتبة الحاكم!
أقول، لقد سررنا واستبشرنا بهذا الاستهلال الحسن، لكن يشاء الله ألا تكتمل فرحتنا بخاتمته التي جاءت مبتسرة؛ لتذكرنا بعشوائية وانفعالية وصمت عهداً وددنا ألا نذكرها، على الأقلّ في اليوم الذي يحتفل رسميّاً بالقضاء عليه. فالسّيّد المستشار الذي - على ما يبدو أو هكذا بدا من خطابه – لم يكن مستعدّاً لذاك الخطاب، لذلك لم يجد ما ينهي به كلامه بعد شكر الله وحمده إلّا تبشير الشعب بإلغاء قرارات العهد السابق (عهد القذافي) الخاطئة، وأخذته الحميّة فأراد أن يضرب لذلك مثلاً لتلك القرارات الخاطئة فلم تسعفه القريحة إلا بمثال ضرورة توقيع الزوجة الأولى بموافقتها لزوجها في جلب ضرّة لها! هكذا يختزل سيادة المستشار مصائب الليبيين كلّها، ومعاناتهم طيلة فترة عهد القذافي من آلة قمعه المتجبّرة، وقراراته المهينة الارتجالية المتعسفة في مشكلة واحدة هي حصول الزوج على موافقة زوجته – وهو الشرط الذي وضع في عهد القذافي- لكي يتمكّن من الزواج مرة أخرى؛ ليأتي ويزفّ إلى الرجال هذه البشرى العظيمة بإلغاء ذلك الشّرط (التّعسفي) المتطلب لموافقة الزوجة قبل الزواج عليها!! أيّ خيبة أمل صفعت االعالم – والليبيين معهم – وهم يترقبون أوّل كلمات لمسؤول ليبي بالتحرير الذي فات سيادة المستشار أن يعلنه – عفواً أم عمداّ- في خضمّ انشغاله بمسألة تعدد الزوجات وكيفية تسهيلها لتنجلي هموم الليبيين بزوال العقبة التي تعترضها!
نحن هنا لا نرفض أن يكون التشريع الإسلامي أساساً لقوانيننا، ولا نناقش مسألة تعدد الزوجات وشروطها، فذاك موضوع آخر، لكن الاعتراض على الوقت الذي اختاره المستشار ليزج بهذه القضية، والكيفية التي جاءت بها. أنسي الأستاذ محنة الليبيين لأكثر من أربعين عاماً يذوقون فيها صنوف الذل والفقر والحرمان ابتداء من حقهم في العيش الكريم، إلى حرية الكلمة والتعبير عن الرأي، إلى حقهم في اختيار شكل الدولة ونظام الحكم، والتداول السلمي للسلطة؟! أنسي ما قاساه الليبيون والليبيات في سجون القذافي من ظلم وقهر وحرمان من أبسط حقوقهم في محاكمة عادلة وزيارة أهلهم وغيرها؟ وقد كان هو بنفسه شاهداً على تبعية القضاء للحكومة، وفساد أحواله مما دفعه إلى تسجيل موقف مشرف وكسب ثقة الليبيين بتقديم استقالته من منصبه وزيراً (أميناً) للعدل احتجاجاً على ذلك الظلم والفساد. أنسي السيد المستشار أن في ذلك اليوم التاريخي تتوجه أنظار العالم لرؤية مستقبل ليبيا من خلال خطابه لليبيين المنتظرين بشرى بوطن يعم فيه العدل والإخاء والمساواة، وتسوده الحرية والاحترام ويشيع فيه الأمن والرّخاء؛ ليأتي عوضاً عنها ببشرى تسهيل زواج الرجال على زوجاتهم بإلغاء القانون القاضي باشتراط موافقة الزوجة؟! ثمّ يأتي السّؤال الأهمّ أيملك سيادة المستشار – وهو رجل قانون- أن يلغي قانوناً، أو يسنّ قانوناً بهذه السّرعة (بجرة قلم!)، وبتلك الطريقة الانفعالية الخطابية المرتجلة؟!! أهكذا تسنّ القوانين، وتعدل الأحكام؟؟! أخشى أن أقول ما قاله المثل: "ما أشبه الليلة بالبارحة!" أنعود للأحكام السريعة، والقرارات المرتجلة، والأخطر من ذلك كله: القوانين غير القانونية؟!! لا نريد أن نضخّم الموقف، أو نكون متشائمين، خصوصاً أن السيد المستشار قد انتبه إلى خطئه – أو نُبِّهَ إليه – لكن سؤالاً يفرض نفسه هنا: إلى أين تمضي بنا يا سيادة المستشار؟ وما شكل الدولة التي سنبنيها معاً؟ أهي دولة القانون واحترام الحقوق والحريات؟ أم هي دولة تقوم على الارتجالية والأحكام السريعة، والخطابات الحماسية البعيدة عن آلام الناس وآمالها؟؟!
8. 11. 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق