خلْقُ الإنسان مجموعةٌ متكاملة من النّظم والأجهزة التي تعمل بدّقة وتكامل شديدين، يؤدّي كلّ نظام عمله في انسجام وتوافق مع بقيّة النظم مؤثّراً بها، ومتأثّراً بما يطرأ عليها من ظروف وأحوال في الوقت نفسه. لذلك فصحّة الإنسان لا يمكن أن تقاس بسلامة كلّ جزء أو عضو من أعضائه منفرداً، وقدرته على أداء وظيفته الطبيعيّة فحسب، بل لابدّ من سلامة المنظومة العضويّة والعصبيّة والنفسيّة كلها لتستطيع الأعضاء أن تعمل في نسقها الطبيعي. من هنا نفهم كيف يمكن أن تؤدي الأمراض التي قد تصيب أحد أعضاء الجسم على نفسيّة صاحبه، ومن ثمّ لا يمكن علاج نفسيّته إلا بحلّ سبب هذه المشكلة العضوي، والعكس – في كثير من الحالات – يكون صحيحاً، فكثير من الأمراض العضويّة يكون منشؤها نفسيّاً، ولذلك لابدّ من العلاج النفسي لتتمّ معالجة تأثيرات تلك المشاكل أو التوتّرات النّفسيّة على أعضاء الجسم، وما أمراض من قبيل ضغط الدّم، والسّكّري، والقولون العصبي إلا نموذج لتأثيرات الحالة النفسية وارتباطها باللآلام العضويّة في جسم الإنسان. إن ذلك كلّه ليبيّن كيف يمكن للحالة النّفسيّة أن تؤثّر على سلامة أعضاء جسم الإنسان، وبالتّالي تؤثر على أدائه لوظائفه الحيويّة والاجتماعيّة. ولئن كانت كثير من الأمراض العضوية الطارئة والعابرة مما يتاح علاجه، ويسهل التغلب على أعراضه، فقرص من الباراسيتامول، أو حتى كورس من المضاد الحيوي قد يقضي على إحساس حادّ بالألم في دقائق، أو حتى ساعات، لكنّ الأمر يبدو أشدّ صعوبة، وأكثر تعقيداً عندما يتعلّق بالحالة النفسيّة، فالوعكة النّفسيّة قد يصعب التّحكم فيها، أو معالجتها، خصوصاً أن الكثيرين قد لا يتمكنون من تشخيصها، فضلاً عن التمكن من معالجتها وتوفر أقراص أو وصفات سريعة لذلك قياساً بعلاج كثير من الأمراض العضوية. من ثمّ، تعدّ مسألة إثارة التوتّر النفسي، والاضطرابات النفسية ببثّ القلق والخوف والفزع من أهمّ الأسلحة الفتّاكة التي تستعمل في الحروب وتكون أشدّ فاعلية من الرشّاشات والمدافع المدمّرة. فالجندي الخائف لايمكنه أن يسدد ضربته ولا أن يحكم تصويبه، والطبيب القلق لا يوفق في تشخيصه لعلّة المرضى، ولاأن يقدّم العلاج الصحيح، وكذلك سائر فئات المجتمع. إن الحرب النفسيّة من أقوى الوسائل التي تستعمل لإضعاف الناس، وبالتالي تسهل السيطرة عليهم.
هذه الحقيقة قد عرفت منذ القدم، فكانت الأخبار الكاذبة تسبق الجيوش المهاجمة لتبالغ في تضخيم عددها، وتهويل خطرها وقوتها وعتادها حتى يفزع الناس ويدبّ اليأس والشكّ في القدرة على التّصدي والثّبات، فيكون الاستسلام، وفي أحسن الأحوال تنشب الخلافات والانشقاقات في صفوفهم بسبب الخوف واليأس فيسهل على العدو التغلب عليهم ودحرهم. وقد حذّر الإسلام من هذه الحرب الشّعواء التي تستهدف الصفوف من الداخل فتودي بتماسكها وقوتها من خلال أمر المسلمين أن يتحرّوا الدّقة والتأكّد من صحّة الأخبار قبل تصديقها وروايتها ونشرها بين النّاس، فقد قال تعالى: "ياأيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" الحجرات (6). وقد روي عنه صلّى الله عليه وسلم أنّه قال: "التثبت من الله والعجلة من الشيطان."
فليس أخطر على صفوف الجيش، ووحدة الأمة من تلك الأخبار الكاذبة التي يروجها الأعداء لتفكيك الناس، وتدمير تماسكهم وهدم قواهم المعنوية، عندئذ يكون النّصر العسكري مسألة يسهل حسمها. إن هذه الوسيلة تستعمل في العصر الحديث ليس من قبل الجيوش الصغيرة فحسب، بل حتى الجيوش المتطوّرة والكبيرة التي قد يبدو أمر نصرهم مسألة أكيدة دون حاجة إلى الاحتيال أوإلى اللجوء إلى الوسائل النفسية، ومع ذلك تستعمل هذه الجيوش وسيلة إثارة الشائعات لتدمير الروح المعنوية للعدوّ حتى لا يسهل سقوط قواته فلا تكلّف الجيوش الغازية نفقة عالية، أو تستغرق وقتاً وجهداً كبيرين، ولعلّنا نذكر حرب الخليج الأولى والثانية وما راج فيهما من شائعات كثيرة قد لا يفكر كثير من الناس أن الجيش الأمريكي بقوّته المعروفة يحتاج إلى استخدام مثلها.
إننا - اليوم – نشهد ما يبثّه التلفزيون الليبي، أو ما يعرف عند الليبيين باللهجة الدّارجة (إذاعة القنفود) من تزوير للحقائق، وتزييف للوقائع بطريقة سمجة ومبتذلة، لتدخل في إطار هذه الحرب الدنيئة في محاولة لتحطيم معنويات الشّعب الليبي، وكسر روح التحدي والصمود. لكن هيهات لتلك المحاولات المفضوحة أن تنال من عزيمة هذا الشعب الرّائع، أو أن تُرجعَ مارد الثورة من أجل الحرّيّة إلى قمقمه!
لذلك نناشد كلّ الليبيين الأحرار بالانتباه إلى هذه الشائعات، وعدم تكرارها؛ لأنّ ذلك يساعد على رواجها وانتشارها بين النّاس مما يجعلهم يساهمون في إضعاف أنفسهم دون أن يشعروا، وكلّ ذلك لا يكون إلاّ خدمة مجّانيّة للعدوّ الطاغية وقنافذه!
فلنحذر جميعاً من الشائعات!
أبريل/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق